الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال: صدقت يا حكيم الحكماء.وقد تقدّم هذا كله في سورة الأعراف.{فَقَالُواْ هاذآ إلهكم وإله موسى} أي قال السامريّ ومن تبعه وكانوا ميالين إلى التّشبيه؛ إذ قالوا: {اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138].{فَنَسِيَ} أي فضلّ موسى وذهب يطلبه فلم يعلم مكانه، وأخطأ الطريق إلى ربه.وقيل: معناه: فتركه موسى هنا وخرج يطلبه.أي ترك موسى إلهه هنا.وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: أي فنسي موسى أن يذكر لكم أنه إلهه.وقيل: الخطاب خبر عن السامريّ.أي ترك السامريّ ما أمره به موسى من الإيمان فضل؛ قاله ابن الأعرابيّ.فقال الله تعالى محتجًا عليهم: {أَفَلاَ يَرَوْنَ} أي يعتبرون ويتفكرون في {أن} ه {لاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} أي لا يكلمهم.وقيل: لا يعود إلى الخوار والصوت.{وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا}.فكيف يكون إلها؟! والذي يعبده موسى صلى الله عليه وسلم يضر وينفع ويثيب ويعطي ويمنع.{أَنْ لاَ يَرْجِعُ} تقديره أنه لا يرجع فلذلك ارتفع الفعل فخففت {أن} وحذف الضمير.وهو الاختيار في الرؤية والعلم والظن.قال:
وقد يحذف مع التشديد؛ قال: أي ولكنك.قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ} أي من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم {يا قوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ} أي ابتليتم وأضللتم به؛ أي بالعجل {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن} لا العجل {فاتبعوني} في عبادته {وأطيعوا أَمْرِي} لا أمر السامريّ.أو فاتبعوني في مسيري إلى موسى ودعوا العجل؛ فعصوه و{قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ}. اهـ.
أي لا يكون منها سقطة فتشتكي، وفتح الميم مصدر من ملك والمعنى ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ولا وقفنا له، بل غلبتنا أنفسننا وكسر الميم كثر استعماله فيما تحوزه اليد ولكنه يستعمل في الأمور التي يبرمها الإنسان ومعناها كمعنى التي قبلها.والمصدر في هذين الوجهين مضاف إلى الفاعل والمفعول مقدر أي {بملكنا} الصواب.وقال الزمخشري؛ أي {ما أخلفنا موعدك} بأن ملكنا أمرنا أي لو ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا لما أخلفناه، ولكن غُلبنا من جهة السامري وكيده.وقرأ الأخوان وأبو عمرو وابن محيصن بفتح الحاء والميم وأبو رجاء بضم الحاء وكسر الميم.وقرأ باقي السبعة وأبو جعفر وشيبة وحميد ويعقوب غير روح كذلك إلا أنهم شدّدوا الميم، والأوزار الأثقال أطلق على ما كانوا استعاروا من لقيط برسم التزين أوزارًا لثقلها، أو لسبب أنهم أثموا في ذلك فسميت أوزارًا لما حصلت الأوزار التي هي الآثام بسببها.والقوم هنا القبط.وقيل: أمرهم بالاستعارة موسى.وقيل: أمر الله موسى بذلك.وقيل: هو ما ألقاه البحر مما كان على الذين غرقوا.وقيل: الأوزار التي هي الآثام من جهة أنهم لم يردوها إلى أصحابها، ومعنى أنهم حملوا الآثام وقذفوها على ظهورهم كما جاؤهم يحملون أوزارهم على ظهورهم.وقيل معنى {فقذفناها} أي الحليّ على أنفسنا وأولادنا.وقيل {فقذفناها} في النار أي ذلك الحليّ، وكان أشار عليهم بذلك السامري فحفرت حفرة وسجرت فيها النار وقذف كل من معه شيء ما عنده من ذلك في النار.وقذف السامري ما معه.ومعنى {فكذلك} أي مثل قذفنا إياها {ألقى السامري} ما كان معه.وظاهر هذه الألفاظ أن العجل لم يصنعه السامري.وقال الزمخشري: {فكذلك ألقى السامري} أراهم أنه يلقي حليًا في يده مثل ما ألقوا وإنما ألقى التربة التي أخدها من موطىء حيزوم فرس جبريل عليه السلام، أوحى إليه وليه الشيطان أنها إذا خالطت مواتًا صار حيوانًا فأخرج لهم السامري من الحفرة عجلًا خلقه الله من الحلي التي سبكتها النار تخور كخور العجاجيل.والمراد بقوله: {إنا قد فتنا قومك} هو خلق العجل للامتحان أي امتحناهم بخلق العجل وحملهم السامري على الضلال وأوقعهم فيه حين قال لهم {هذا إلهكم وإله موسى} انتهى.وقيل: معنى {جسدًا} شخصًا.وقيل: لا يتغذى، وتقدم الكلام على قوله: {له خوار} في الأعراف.والضمير في {فقالوا} لبني إسرائيل أي ضلوا حين قال كبارهم لصغارهم و{هذا} إشارة إلى العجل.وقيل: الضمير في {فقالوا} عائد على السامري أخبر عنه بلفظ الجمع تعظيمًا لجرمه.وقيل: عليه وعلى تابعيه.وقرأ الأعمش فنَسِيْ بسكون الياء، والظاهر أن الضمير في {فَنَسِيَ} عائد على السامري أي {فنسي} إسلامه وإيمانه قاله ابن عباس، أو فترك ما كان عليه من الدين قاله مكحول، وهو كقول ابن عباس أو {فنسي} أن العجل {لا يرجع إليهم قولًا ولا يملك لهم ضرًا ولا نفعًا} و{فنسي} الاستدلال على حدوث الأجسام وأن الإله لا يحل في شيء ولا يحل فيه شيء وعلى هذه الأقوال يكون {فنسي} إخبارًا من الله عن السامري.وقيل: الضمير عائد على موسى عليه السلام أي {فنسي} موسى أن يذكر لكم أن هذا إلهكم أو {فنسي} الطريق إلى ربه، وكلا هذين القولين عن ابن عباس.أو {فنسي} موسى إلهه عندكم وخالفه في طريق آخر قاله قتادة، وعلى هذه الأقوال يكون من كلام السامري.ثم بيَّن تعالى فساد اعتقادهم بأن الألوهية لا تصلح لمن سلبت عنه هذه الصفات فقال: {أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولًا ولا يملك لهم ضرًا ولا نفعًا} وهذا كقول إبراهيم لأبيه {لمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} والرؤية هنا بمعنى العلم، ولذلك جاء بعدها أن المخففة من الثقيلة كما جاء {ألم يروا أنه لا يكلمهم} بأن الثقيلة وبرفع يرجع قرأ الجمهور.وقرأ أبو حيوة {أن لا يرجع} بنصب العين قاله ابن خالويه.وفي الكامل ووافقه على ذلك وعلى نصب {ولا يملك} الزعفراني وابن صبيح وأبان والشافعي محمد بن إدريس الإمام المطلبي جعلوها أن الناصبة للمضارع وتكون الرؤية من الإبصار.{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ}.اللحية معروفة وتجمع على لِحَى بكسر اللام وضمها.{ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به}.أشفق هارون على نفسه وعليهم وبذل لهم النصيحة، وبيَّن أن ما ذهبوا إليه من أمر العجل إنما هو فتنة إذ كان مأمورًا من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أخيه موسى عليه السلام {اخلفني في قومي} الآية ولا يمكنه أن يخالف أمر الله وأمر أخيه.وروي أن الله أوحى إلى يوشع إني مهلك من قومك أربعين ألفًا فقال: يا رب فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم تغضبوا لغضبي، والمضاف إليه المقطوع عنه من قبل قدره الزمخشري من قبل أن يقول لهم السامري ما قال، كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة افتتنوا به واستحسنوه قبل أن ينطق السامري بادر هارون عليه السلام بقوله: {إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن}.وقال ابن عطية: أخبر عز وجل أن هارون قد كان قال لهم في أول حال العجل إنما هي فتنة وبلاء وتمويه من السامري، وإنما ربكم الرحمن الذي له القدرة والعلم والخلق والاختراع {فاتبعوني} إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه {وأطيعوا أمري} فيما ذكرته لكم انتهى.والضمير في {به} عائد على العجل، زجرهم أولًا هارون عن الباطل وإزالة الشبهة بقوله: {إنما فتنتم به} ثم نبههم على معرفة ربهم وذكر وصف الرحمة تنبيهًا على أنهم متى تابوا قبلهم وتذكيرًا لتخليصهم من فرعون زمان لم يوجد العجل، ثم أمرهم باتباعه تنبيهًا على أنه نبيّ يجب أن يتبع ويطاع أمره.وقرأ الحسن وعيسى وأبو عمرو في رواية وأن ربكم بفتح الهمزة والجمهور بكسرها، والمصدر المنسبك منها في موضع خبر مبتدأ محذوف تقديره والأمر {إن ربكم الرحمن} فهو من عطف جملة على جملة، وقدره أبو حاتم ولأن ربكم الرحمن.وقرأت فرقة أنما وأن ربكم بفتح الهمزتين وتخريج هذه القراءة على لغة سليم حيث يفتحون أن بعد القول مطلقًا. اهـ.
|